الشيخ عبدالله عمران - سورة الحجر "فاصدع بما تؤمر" - YouTube
فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دار الأرقم عند الصّفا ،فكانوا يقيمون الصّلاة بها ، واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد ، فنزل قوله تعالى: { فاصدع بما تؤمر} الآية. وبنزولها ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاختفاء بدار الأرقم ، وأعلن بالدّعوة للإسلام جهراً. وأما قوله تعالى: { إنّا كفيناكَ المستهزئينَ} ، قيل: وهم خمسة: الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحراث بن الطلاطلة. أهلكهم الله جميعاً قبل بدر لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة ، أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه ، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة ، فتساقط لحمه عن عظامه ، فمات ، وأما أبو زمعة فعمى. وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه ، فسالت حدقتاه على وجهه ، فكان يقول: [ دعا] عليّ محمد فاستجيب له ، ودعوت عليه فاستجيب لي ، دعا عليّ أن أعمى فعميت ، ودعوت عليه أن يكون طريداً بيثرب ، فكان كذلك ، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه. أيها المسلمون لقد مرت الدعوة الإسلامية على يد صاحبها (عليه الصلاة والسلام) بثلاث مراحل هي: مرحلة الدعوة السرية: والتي اكتفى فيها (عليه الصلاة والسلام) بدعوة من رغب في الإسلام ،حيث كان اجتماعهم في السر في بيت الأرقم بن أبي الأرقم ،ويمكن أن يطلق على هذه المرحلة أيضا ً مرحلة الدعوة الفردية ، حيث كان كل فرد مسلم حريص على دعوة من عرف فيه الأهلية للإسلام من أقربائه ، أو ممن له عليهم سبيل.
⁕ حدثنا أحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: بالقرآن في الصلاة. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: أجهر بالقرآن في الصلاة. ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبيّ مستخفيا حتى نزلت ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ فخرج هو وأصحابه. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه، وقال تعالى ذكره: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ ولم يقل: بما تؤمر به، والأمر يقتضي الباء، لأن معنى الكلام: فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي وأذنَّا لك في إظهاره. ومعنى "ما" التي في قوله ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ معنى المصدر، كما قال تعالى ذكره ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ معناه: افعل الأمر الذي تؤمر به، وكان بعض نحويِّي أهل الكوفة يقول في ذلك: حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ على لغة الذين يقولون: أمرتك أمرا، وكان يقول: للعرب في ذلك لغتان: إحداهما أمرتك أمرا، والأخرى أمرتك بأمر، فكان يقول: إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء.
تاريخ النشر: ١١ / ذو القعدة / ١٤٢٨ مرات الإستماع: 2275 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف -رحمه الله- في تتمة كلامه على قوله -جل وعلا: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [سورة الحجر:95] الآيات. قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم، من بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الأسود بن المطلب أبو زمعة، كان رسول الله ﷺ فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: اللهم أعم بصره، وأثكله ولده [1] ، ومن بني زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن بني مخزوم: الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم، ومن خزاعة: الحارث بن الطُلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن ملكان. معنى الطلاطلة في اللغة: الداهية. ضبط بعضهم مَلْكان، وبعضهم مَلَكان، وبعضهم مِلْكان بالكسر والإسكان. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله ﷺ الاستهزاء أنزل الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ [سورة الحجر:94-96].
الوقفة الثامنة: قال صاحب "الظلال" تعقيباً على هذه الآية: "إن (الصَّدع) بحقيقة هذه العقيدة، والجهر بكل مقوماتها، وكل مقتضياتها ضرورة في الحركة بهذه الدعوة، فـ (الصَّدع) القوي النافذ هو الذي يهز الفطرة الغافية؛ ويوقظ المشاعر المتلبدة، ويقيم الحجة على الناس { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} (الأنفال:42) أما التدسس الناعم بهذه العقيدة؛ وجعلها عِضين، يعرض الداعية منها جانباً ويكتم جانباً؛ لأن هذا الجانب يثير الطواغيت، أو يَصُدُّ الجماهير، فهذا ليس من طبيعة الحركة الصحيحة بهذه العقيدة القوية. و(الصدع) بحقيقة هذه الحقيقة لا يعني الغلظة المنفرة، والخشونة، وقلة الذوق والجلافة! كما أن الدعوة بالحسنى لا تعني التدسس الناعم، وكتمان جانب من حقائق هذه العقيدة وإبداء جانب، وجعل القرآن عِضين، لا هذه ولا تلك، إنما هو البيان الكامل لكل حقائق العقيدة؛ في وضوح جلي، وفي حكمة كذلك في الخطاب، ولطف ومودة ولين وتيسير". انتهى كلامه رحمه الله. فالصدع بكلمة الحق واجب على كل مسلم ما وجد إلى ذلك سبيلاً، مع مراعاة الحكمة والموعظة الحسنة، ومعرفة من أين تؤتى الأمور، وفي الحديث: ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) رواه أصحاب السنن الأربعة.