– دخل أبو مسلم على معاوية فقال له: ما اسمك؟ قال: اسمعي معاوية، قال: بل اسمك أحدوثة، فإن جئت بشيء فلك شيء وإن لم تأت بشيء فلا شيء لك يا معاوية إنك لو عدلت بين جميع قبائل العرب ثم مِلت على أقلها قبيلة مَالَ جورك بعدلك، يا معاوية إنا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفا لنا رأس العين. – روي عثمان بن أبي العاتكة أن أبو مسلم كان قد علق سوطًا في المسجد، فكان يقول أبو مسلم الخولاني: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا فتر مشق (ضرب) ساقية سوطًا أو سوطين، وكان يقول أيضا: لو رأيت الجنة عيانًا أو النار عيانًا ما كان عندي مستزاد. – سمع أبو مسلم الخولاني أهل الشام وهم ينالون من عائشة، فرد عليهم قائلا: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه؟ كمثل عينين في رأس تؤذيان صاحبهما ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما. – عن بلال بن كعب أن الصبيان قالوا لأبي مسلم: ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه فدعا الله فحبسه فأخذوه. – قال أبو مسلم- بعد مقتل عثمان-: يا أهل المدينة، والله لأنتم أعظم جرمًا عند الله من ثمود، فإن ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم على الله – عز وجل – من ناقته. – قال أبو مسلم: أرأيتم نفسًا إن أنا أكرمتها ونعمتها وودعتها ذمتني غدًا عند الله وإن أنا سخطتها وأنصبتها وأعلمتها رضيت عني غدًا؟ قالوا: ومن….
قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: نشدتك بالله ، أنت هو؟ قال: اللهم نعم. فاعتنقه عمر وبكى ، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق. فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل. رواه عبد الوهاب بن نجدة ، وهو ثقة ، عن إسماعيل لكن شرحبيل أرسل الحكاية. ويروى عن مالك بن دينار ، أن كعبا رأى أبا مسلم الخولاني ، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو مسلم ، فقال: هذا حكيم هذه الأمة. وروى معمر عن الزهري ، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك ، فكان يتناول عائشة -رضي الله عنها- ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام ، كان قد أوتي حكمة؟ قال: من هو؟ قلت: أبو مسلم الخولاني ، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه؟ كمثل عينين في رأس ، تؤذيان صاحبهما ، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما فسكت. فقال الزهري: أخبرنيه أبو إدريس الخولاني عن أبي مسلم. قال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطا في المسجد ، فكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم ، فإذا فتر ، مشق ساقيه سوطا أو سوطين. قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانا أو النار عيانا ما كان عندي مستزاد.
وقد توفي رحمه الله بأرض الروم، وكان شتا مع بُسر بن أبي أرطأة فأدركه أجله، فعاده بُسر في مرضه، فقال له أبو مسلم: يا بُسر، اعقد لي على من مات في هذه الغزاة، فإني أرجو أن اتي بهم يوم القيامة على لوائهم[، وعندما سمع معاوية رضي الله عنه بموته قال: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأنصاري. وكان رحمه الله من أهل الحكمة؛ فقد روي عن أبي مسلم الخولاني في مجال الرِّضا التام بقضاء الله وقدره، قوله: لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته، حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إليّ قبضه منّي أحب إليّ من أن يكون لي الدنيا وما فيها. وهذا دليل على كمال توحيد أبي مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني؛ حيث جاوز مرحلة الصبر على أقدار الله المؤلمة إلى مرحلة الرضا بقضاء الله، فاعتبر المصيبة بفقد ولد قد أحسن الله نباته وكان على خير ما يتمناه المؤمن شباباً وصلاحاً أحبّ إليه من الدنيا وما فيها. يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: الجزء الأول: (1) الجزء الثاني: كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
فَحَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ: أَنَّ الأَسْوَدَ (٢) تَنَبَّأَ بِاليَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَتَاهُ بِنَارٍ عَظِيْمَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَلْقَى أَبَا مُسْلِمٍ فِيْهَا، فَلَمْ تَضَرَّهُ. فَقِيْلَ لِلأَسْوَدِ: إِنْ لَمْ تَنْفِ هَذَا عَنْكَ، أَفْسَدَ عَلَيْكَ مَنِ اتَّبَعَكَ. فَأَمَرَهُ بِالرَّحِيْلِ، فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ يُصَلِّي، فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَامَ (١) زاد ابن عساكر ٩ / ١٢ ب: ويقال: ابن أثوب، ويقال: ابن مسلم. وانظر تاريخ الإسلام ٣ / ١٠٢. (٢) هو الأسود العنسي، واسمه عيهلة وقيل: عبهلة بن كعب بن عوف، من مذحج. متنبئ مشعوذ من أهل اليمن، أسلم كما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أول من ارتد في الإسلام، ادعى النبوة، وضل به كثير من مذحج حتى اتسع سلطانه. اغتيل قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر واحد. اهـ مختصرا، الاعلام ٥ / ٢٩٩.
قال ابن عبد البر فى " الاستيعاب ": أدرك الجاهلية ، و أسلم قبل وفاة النبى صلى الله عليه و آله وسلم ، و هو معدود فى كبار التبابعين ، و كان ناسكا عابدا له كرامات. روى ابن سعد فى " الطبقات " عن شرحبيل بن مسلم أن الأسود بن قيس ذا الحمار تنبأ فى اليمن ، فبعث إلى أبى مسلم ، فلما جاء قال: أتشهد أنى رسول الله ، قال: ما أسمع ، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله ، قال: نعم ، قال: فردد ذلك مرارا ، فأمر بنار عظيمة فأججت ، ثم ألقى فيها ، فلم تضره ، فأمره بالرحيل ، فأتى المدينة ، و قد مات النبى صلى الله عليه و آله وسلم ، و استخلف أبو بكر... فذكر قصة الحديث فى قول عمر لأبى بكر: الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أرانى فى أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم. اهـ. وروى عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم: « أن امرأة خببت عليه (11) امرأته، فدعا عليها، فعميت، فأتته، فاعترفت، وتابت، فقال: اللهم إن كانت صادقة، فاردد بصرها. فأبصرت (12). » وعن عطاء الخراساني: أن امرأة أبي مسلم قالت: ليس لنا دقيق. فقال: هل عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به غزلا. قال: ابغينيه، وهاتي الجراب. فدخل السوق، فأتاه سائل، وألح، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب نشارة من تراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، وذهب، ففتحه، فإذا به دقيق ، فعجنت، وخبزت.
[ ص: 10] إسماعيل بن عياش: عن شرحبيل ، أن رجلين أتيا أبا مسلم ، فلم يجداه في منزله ، فأتيا المسجد ، فوجداه يركع ، فانتظراه ، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مائة ركعة. الوليد بن مسلم: أنبأنا عثمان بن أبي العاتكة ، أن أبا مسلم الخولاني سمع رجلا يقول: سبق اليوم [ فلان] فقال: أنا السابق ، قالوا: وكيف يا أبا مسلم ؟ قال: أدلجت من داريا ، فكنت أول من دخل مسجدكم. قال أبو بكر بن أبي مريم: عن عطية بن قيس ، قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم ، وقد احتفر جورة في فسطاطه وجعل فيها نطعا وأفرغ فيه الماء وهو يتصلق فيه فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ، ولتهيأت له وتقويت; إن الخيل لا تجري الغايات وهن بدن; إنما تجري وهن ضمر; ألا وإن أيامنا باقية جائية لها نعمل. وقيل: كان يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان ويقول: اذكر الله حتى يرى الجاهل أنه مجنون. [ ص: 11] وروى محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، أنه كان إذا غزا أرض الروم ، فمروا بنهر فقال: أجيزوا بسم الله ، ويمر بين أيديهم ، فيمرون بالنهر الغمر ، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الركب ، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء؟ فمن ذهب له شيء فأنا ضامن له فألقى بعضهم مخلاته عمدا فلما جاوزوا قال الرجل: مخلاتي وقعت ، قال: اتبعني فأتبعه ، فإذا بها معلقة بعود في النهر ، قال: خذها.
فلما جاء ليلا، وضعته، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق. فأكل، وبكى (13). قال أحمد بن حنبل: حدثنا عن محمد بن شعيب، عن بعض المشيخة، قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير، على أربعة أميال من حمص، في آخر الليل، فاطلع راهب من صومعة، فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني؟ قلنا: نعم. قال: إذا أتيتموه، فأقرؤوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى ابن مريم، أما إنكم لا تجدونه حيا. قال: فلما أشرفنا على الغوطة، بلغنا موته. (14) (1) ابن عساكر 9 / 12 (2) هو الأسود العنسي، واسمه عيهلة وقيل: عبهلة بن كعب بن عوف، من مذحج. متنبئ مشعوذ من أهل اليمن، أسلم كما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أول من ارتد في الإسلام، ادعى النبوة، وضل به كثير من مذحج حتى اتسع سلطانه. اغتيل قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر واحد. اهـ ( الاعلام 5 / 299. ) (3) ابن عساكر 9 / 16 (4) ابن عساكر 9 / 16 (5) مشقه: ضربه بسرعة. (6) الفسطاط: البيت من الشعر. (7) تصلق: تقلب وتلوى على جنبيه. (8) الغايات: النهايات، وفي الحديث: " أنه صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية. (9) في الحلية 2 / 127: " بين أيدينا أياما لها نعمل " وانظر تاريخ ابن عساكر 9 / 17 وتاريخ الإسلام 3 / 104.
ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره ؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عز وجل ، بالإجماع ، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك. قال: وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس: حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى: ( الله يستهزئ بهم) قال: يسخر بهم للنقمة منهم. وقوله تعالى: ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون) قال السدي: عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من الصحابة [ قالوا] يمدهم: يملي لهم. وقال مجاهد: يزيدهم. قال ابن جرير: والصواب يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم ، كما قال: ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) [ الأنعام: 110]. والطغيان: هو المجاوزة في الشيء. كما قال: ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) [ الحاقة: 11] ، وقال الضحاك ، عن ابن عباس: ( في طغيانهم يعمهون) في كفرهم يترددون. وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة ، وبه يقول أبو العالية ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ومجاهد ، وأبو مالك ، وعبد الرحمن بن زيد: في كفرهم وضلالتهم.
{ و يمدهم في طغيانهم يعمهون} - YouTube
قوله تعالى: الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون قوله تعالى: الله يستهزئ بهم أي ينتقم منهم ويعاقبهم ، ويسخر بهم ويجازيهم على استهزائهم ، فسمى العقوبة باسم الذنب. هذا قول الجمهور من العلماء ، والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم ، من ذلك قول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلا أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا [ ص: 201] فسمى انتصاره جهلا ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما. وكانت العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه ، وإن كان مخالفا له في معناه ، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة. وقال الله عز وجل: وجزاء سيئة سيئة مثلها. وقال: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والجزاء لا يكون سيئة. والقصاص لا يكون اعتداء; لأنه حق وجب ، ومثله: ومكروا ومكر الله. و إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا. و إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم وليس منه سبحانه مكر ولا هزء ولا كيد. إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم ، وكذلك يخادعون الله وهو خادعهم. فيسخرون منهم سخر الله منهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا.
[ ص: 297] وإنما أضاف الطغيان لضمير المنافقين ولم يقل: في الطغيان ، بتعريف الجنس كما قال في سورة الأعراف وإخوانهم يمدونهم في الغي إشارة إلى تفظيع شأن هذا الطغيان وغرابته في بابه وأنهم اختصوا به حتى صار يعرف بإضافته إليهم. والظرف متعلق بـ ( يمدهم). و ( يعمهون) جملة حالية.