قوله - تعالى -: وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. يعني - جل وعلا - أنه جعل لبني آدم ما يركبونه من الفلك التي هي السفن ، ومن الأنعام ليستووا ، أي يرتفعوا معتدلين على ظهوره ، ثم يذكروا في قلوبهم نعمة ربهم عليهم بتلك المركوبات ، ثم يقولوا - بألسنتهم مع تفهم معنى ما يقولون -: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وقوله: " سبحان " قد قدمنا في أول سورة " بني إسرائيل " معناه بإيضاح ، وأنه يدل على تنزيه الله - جل وعلا - أكمل التنزيه وأتمه ، عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله ، والإشارة في قوله: هذا راجعة إلى لفظ ما من قوله: ما تركبون وجمع الظهور نظرا إلى معنى ما; لأن معناها عام شامل لكل ما تشمله صلتها ، ولفظها مفرد ، فالجمع في الآية باعتبار معناها ، والإفراد باعتبار لفظها. [ ص: 87] وقوله: الذي سخر لنا هذا أي الذي ذلل لنا هذا الذي هو ما نركبه من الأنعام والسفن; لأن الأنعام لو لم يذللها الله لهم لما قدروا عليها ، ولا يخفى أن الجمل أقوى من الرجل ، وكذلك البحر لو لم يذلله لهم ويسخر لهم إجراء السفن فيه لما قدروا على شيء من ذلك. وقوله - تعالى -: وما كنا له مقرنين أي مطيقين.
لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) ( لتستووا على ظهوره) أي: لتستووا متمكنين مرتفقين ( على ظهوره) أي: على ظهور هذا الجنس ، ( ثم تذكروا نعمة ربكم) أي: فيما سخر لكم ( إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) أي: مقاومين. ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس ، وقتادة ، والسدي وابن زيد: ( مقرنين) أي: مطيقين.
[خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، وأبو عبدالله محمد بن خويزمنداد في أحكامه]. وذكر الثعلبي له نحوه مختصرا عن علي رضي الله عنه، ولفظه عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال: « باسم الله – فإذا استوى قال – الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وإذا نزلتم من الفلك والأنعام فقولوا اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين». وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: من ركب ولم يقل { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} قال له الشيطان تغنه؛ فإن لم يحسن قال له تمنه؛ ذكره النحاس. ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه: تعالوا نتنزه على الخيل أوفي بعض الزوارق؛ فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف، فلا يزالون يستقون حتى تمل طلاهم وهم على ظهور الدواب أو في بطون السفن وهي تجري بهم؛ لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره. قال الزمخشري: ولقد بلغني أن بعض السلاطين ركب وهو يشرب الخمر من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعد ما أطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به؛ فكيف بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر به في هذه الآية!