وقد ذكر صلى الله عليه وسلم مثالًا على النية وأهميتها بالهجرة، فمن هادر طلبا لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل نيته خالصة لله فهجرته عبادة يؤجر عليها، ومن هاجر وكان يقصد بهجرته أمر من أمور الدنيا فلا يؤجر على هجرته لأنه هاجر لدنيا ولم تكن نيته خالصة لله. فضل الحديث استحب الكثير من العلماء وضع هذا الحديث في مقدمات كتبهم، كما فعل الإمام البخاري فقد وضعه في أول صحيحه؛ تذكيرًا للعلماء وطلاب العلم بإخلاص النية لوجه الله وحده. إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى - لفلي سمايل. وقد عدَّ بعض العلماء هذا الحديث ثلث الإسلام؛ لأن أعمال الإنسان سواء أكانت من البر أو من الإثم ( لمعرفة المزيد من التفاصيل عن البر والإثم ما هما وما الفوارق والضوابط بينهم اضغط على ( شرح حديث البرحسن الخلق... )) تكون إما بالقلب (النية)، أو باللسان (الكلام)، أو بالأعضاء (الأفعال)؛ ولأن هذا الحديث يتكلم ويركز على النية (القلب) فهو ثلث الإسلام. الإخلاص بالعمل تؤكد معاني الحديث وجوب الإخلاص في الأعمال ومصاحبتها بالنية الصالحة الخالصة لله تعالى، فمن عمل عملًا وإن كان خيرًا كالصدقة على الفقراء ومساعدتهم وكانت نيته أن يتفاخر ويرائي أمام الناس ليمتدحوه، لا يقبل الله عمله بل وقد يأثم على فعله لأن الرياء من الأفعال المحرمة.
إنما الأعمال بالنيات " أي أن عمل الإنسان يكون مقبولا من الله عز وجل أو مردودا على الإنسان إعتمادا على نيته. "وإنما لكل إمرئ ما نوى " فإن نوى الإنسان خيرا جوزي به وإن نوى شرا جوزي به وإن نوى أمرا مباحا فلا يثاب ولا يعاقب عليه. شرح حديث إنما الأعمال بِالنيَّات. ويبين هذا الحديث الشريف أن العبادات تعتمد على النية فلا تصح الصلاة إلا بأن ينويها الإنسان بقلبه، كما يميز الحديث بين أن يكون العمل عبادة أو أن يكون عادة، فالمرأة قد تستحم لتنظيف جسمها، وقد تستحم بنية الغسل للطهر من الحيض، فلا يصح طهرها إلا إذا نوت بغسلها الطهر من الحيض. ومعنى الحديث أن المسلمين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة بنية الامتثال إلى أمر الله عز وجل بالهجرة، وحبا لله ولرسوله، فهم يثابون على هجرتهم هذه، أما من هاجر من أجل أمور دنيوية، مثل ربح أو زواج، فهذا لا يثاب على هجرته. ويُروى في سبب قول الرسول هذا الحديث أن رجلا أحب امرأة،إسمها أم قيس، وطلبها للزواج فرفضت الزواج منه حتى يهاجر إلى رسول الله في المدينة المنورة، فهاجر كي يتزوجها، وتزوجها بالفعل، وأطلق عليه الناس إسم " مهاجر أم قيس " لأنه ما ترك مكة المكرمة إلا من أجل زواج هذه المرأة.
3- أن يكون أصل العمل لله ثم يطرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف وإن استجاب له فهل يحبط عمله أم لا:الصحيح أن أصل عمله لا يبطل بهذا الرياء وأنه يجازى بنيته الأولى ورجحه أحمد والطبري ،وإنما يبطل من عمله ما خالطه الرياء. أما إذا خالط نية العمل نية غير الرياء مثل أخذ الأجرة للخدمة أو شيء من المعاوضة في الجهاد أو التجارة في الحج نقص بذلك الأجر ولم يبطل العمل قال أحمد: التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره. وليس من الرياء فرح المؤمن بفضل الله ورحمته حين سماع ثناء الناس على عمله الصالح فإذا استبشر بذلك لم يضره لما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه فقال:تلك عاجل بشرى المؤمن "رواه مسلم. الخامسة: تتفاضل الأعمال ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ،حتى إن صاحب النية الصادقة إذا عجز عن العمل يلتحق بالعامل في الأجر قال الله تعالى( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وفي الصحيح مرفوعا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" وفيه أيضا "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر".
والأمر الثاني: تمييز العبادة عن العادة ،فمثلا الإغتسال يقع نظافة أو تبرد ويقع عن الحدث الأكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها ،فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب ،وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة أو الكفارة أو للنذر أو للصدقة المستحبة أو للهدية فالعبرة في ذلك كله على النية ،وكذلك صور ومسائل المعاملات العبرة نيته وقصده لا ظاهر عمله ولفظه. ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها فإن الوسائل لها أحكام المقاصد صالحة أو فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد. الثالثة: قوله"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثالا من الأعمال التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات ،وكأنه يقول سائر الأعمال تقاس على هذا المثال. والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في إظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا ،ومن كان مهاجرا لغرض إصابة الدنيا أو نكاح المرأة فهذا مهاجر لأجل الدنيا وليس لأجل الآخرة ولا يؤجر على ذلك،وفي قوله "إلى ما هاجر إليه" تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به.
الثانية: النية (لغة) القصد والعزيمة. و(اصطلاحا) هي القصد للعمل تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وثوابه. وتطلق النية في كلام العلماء على معنيين: نية المعمول له: أي تمييز المقصود بالعمل هل هو الله وحده لا شريك به أم غيره أم الله وغيره ، وهذا المعنى يتكلم فيه العارفون في كتبهم من أهل السلوك الذين يعتنون بالمقاصد والرقائق والإيمانيات. وهو المقصود غالبا في كلام الله بلفظ النية والإرادة فال تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وكذلك هو المقصود غالبا في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله مانوى) رواه أحمد ، وهذا كثير في كلام السلف قال عمر "لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " وقال يحي بن أبي كثير "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل" وقال سفيان الثوري"ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي". نية العمل: أي تمييز العمل ، فلا تصح الطهارة بأنواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة، وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق ، فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة ،وأما المعين من فرض ونفل فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات.
أي لفرصة دنيوية يريد تحصيلها. فوائد مستنبطة من الحديث: 1- الحديث دليل على اشتراط النية في جميع الأعمال. 2- الحديث دليل على أثر تفاوت النية في أعمال الناس. 3- الحديث دليل على فضل الهجرة إلى الله ورسوله. قواعد مستنبطة من الحديث: • قاعدة فقهية: الأمور بمقاصدها. أي أن نتائج الأقوال والأفعال وأحكامها تختلف باختلاف المقاصد. مثلاً: حافظ القرآن حفظه من أجل أن يكون شفيعا له، وآخر حفظه ليقال حافظ فالنتائج تختلف فالأول يقال له اقرأ وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها؛ والآخر أول من تسعر به النار يوم القيامة.. البريد الإلكتروني: تويتر: alforiih مرحباً بالضيف